لا لم اتأخر عن الكتابة عن سفيرتنا الى النجوم، لا لم يفت الاوان للكتابة عن جارة القمر وسيدة الازمنة، لا لم يهمد قلمي او يجف او يعجز عن الكتابة عن سيدة ذهبية اللون، أطلّت في اللون الابيض وسبقها صوتها ليعلن موعد حضورها "مسيتكن بالخير يا جيران" فردد 3750 شخصا أضف اليهم الكورال والفرقة الموسيقية والامن وكل من تواجد في بلاتيا، الكل ردّ بصوت واحد "أهلا بزاد الخير"، ولكنه القرار كان منّي بأني لن اكتب عنها الا بعد ان أشبع منها.
أطلّت عروس الفن العربي ترفل كالملكة ، تبتسم ابتسامة خجولة يبدأ بعدها المشوار مع سحر صوتها واغنياتها التي يفصلها بين الجولة والجولة مقطوعات للرحابنة الكبار وللعبقري زياد الرحباني.
انتظرت الليلة الاخيرة لاكتب عن نجمة تجاوزت النجوم لانني قررت وقبل ان ادون مقالتي عن حفلات فيروز، قررت ان أحضرها مرة ثانية وهكذا كان، وبين الليلة الاولى 9 كانون و17 وبينهما ليلتان مشعتان "اُضيفت اليهم ليلة خامسة في 23 الجاري ايضا "، وهكذا اكون قد واعدت الملكة مرتين متتاليتين.
من انطلاقة الحفل الى نهايته الاكف لم تهدأ وصيحات الفرح ايضا، مشوار امتد على مدى ساعتين عبق برائحة الماضي والحاضر، بأغنيات عرفت السيدة كيف تختارها بدقة وعناية، ومع كل اغنية ذكرى ومع كل لحن دقّة قلب وابتسامة لم تغب عن وجوه الحضور.
وكانت الفرقة بقيادة هاروت فازليان قد سبقت سيدة الرداء الابيض الى المسرح بمرافقة العازف ميشال فاضل على البيانو، فمهدوا لها الطريق بمعزوفة رحبانية رائعة.
كالحلم غنت وتنقلت بين قديمها والجديد، فغنّت للقمر والناس والارض والحبيب وجسر اللوزية، وانسابت الاغنيات تتراقص على صوتها" مسيتكن بالخير يا جيران، القمر بضوي عالناس، تعى ولا تجي، على جسر اللوزية، طيري يا طيارة، دوارة عالدوارة، في امل، صبح ومسا، يا ضيعانو، فايق ولا ناسي.
كما ادى الكورس المؤلف من ثمانية اشخاص اغاني للاخوين رحباني وزياد رحباني منها "بدنا الطرقات" و"على مهلك" و"عتم يا ليل" و"مراكبنا ع المينا" و"شواطينا."
سحر السيدة رافقها في كل اغنياتها ولكن الادرينالين وصل الى قمته في الجزء الاخير من الحفل الرائع، وتحديدا في ديو "كانت ع هاك العريشة "، حيث اشتعل المسرح فرحا وسعادة ونشوة لا يمكنك ان تشعر بمثلها الا في هكذا جو. وبعد ان تغلغل صوتها الى قلوبنا واستقر فيها، وبعد ان طرنا في عالمها ونسينا عوالمنا، انشدت الفيروز "جينا لخلال القصص" اتبعتها باغنية "بكرا برجع بوقف معكن" وغابت خلف الستائر، وخلفها بحر من الناس يهوجون ويموجون على مسرح لم يعد ليتسع لهم، كيف لا ومنذ لحظات كانوا في حضرة الفيروز، والآن غابت عنهم.
حفلات فيروز تجاوزت كل التوقعات ودحضت كل الاشاعات التي سبقتها بأن السيدة ستغني "بلاي باك" وان زياد الرحباني سيقود الفرقة، وبأن اغنيات جديدة ستقدمها فيروز لعشاقها ومحبيها، وبأن هذه الحفلات ما هي الا تمهيد لاعتزال فيروزتنا العظيمة، كل الاشاعات سقطت على حافة مسرحها لتبقى حقيقة واحدة، لا يوجد سوى فيروز واحدة.
ولعلّ اكثر اللحظات المثيرة كانت عندما اعتلى احدهم المسرح فتمنى الكل ان يكونوا مكانه، غافل الجميع وركع امام فيروز قبل فستانها ومن ثم يدها وهي مذهولة بما يجول حولها .
فيروز بلا مقدمات او القاب شكرا لك لانك وخلال ساعتين اخذتنا الى دنياك، انت نجمة من ذهب خالص وكريستال .. والى اللقاء في حفلات اخرى عساها تكون قريبة.