حروفٌ نَسَجَتْ من خيوط الحُريّة ألمٌ وأمل جلستُ أتأمّل يوماً في كلمة
[ أَسْرْ ] محاولةً الغوص في حروفها والإبحار في عالمها المليء بالخبايا والأسرار ، استشف بعضاً من الأحداث الجارية ، والتي يهبها العالم صمته المهيب عمّا يدور خلفها .. فأضحت الكلمة لديّ ليست حروفاً مجتمعةً تجتمعُ لتُكوّن كلمةً تُضاف إلى قاموس لغتنا العربية ، بل هي حياةٌ بأكملها قد تمتد للبعض 30 عاماً أو يزيد ، وقد تنتهي بالفرج بعد ربع قرنٍ أو أقل من ذلك !
هذه الأحرف اليوم تختزل بداخلها أكثر من 4600 أسيرِ من بينهنً نساءً وفتيات ، وشيوخ رُكّع وأطفال رُضّع ، فكل حرف من حروفها عكس الألم الكامن فيها والذي لا يخلو من بقعة أمل صغيرة تُطل عليها من طاقة صغيرة تكاد تُُبصر النور من بعيد ..
ا
n]أسوارُ وأسلاكُ ] شائكة دامية ، تزجُّ بقوّة وعنجهية البربر والتتار آلاف الأسرى الذي حوّل الاحتلال أرضهم إلى سجونٍ وأقبية للتحقيق ، وزنازينٌ للتعذيب والإذلال موزّعة على خارطة فلسطين المسلمة ،
n]فأبواب ] هذه السجون مُتحركة كحركة حرف الألف بالفتح ، فهي تُُفتح كل دقيقة معلنةُ عن ولوج أسيرٍ جديد في حركةٍ لولبية مستمرة نسأل الله أن تنقطع للأبد.
وفي الوقت ذاته تجد فيها
n]أملٌ بالله وانتظارٌ للحريّة فانتظار الفرج عبادة ، وارتواء من ينابيع العلوم المختلفة والطاعات القلبية والقولية والفعلية ] .
color=red]السين : وثانيها سكون سينها : [/color]
الذي له دلالاتٌ و عِبَرفهي تمثِّلُ
n]سواد ] الزنزانة ، و
n]سرقة ] العمر ،
n]سهر ] الليالي ،
n]سُهاد ] العين ،
n]سجنُ ] الحريّة بسلاسل و قيود بغيضة ،
n]سحابة] غيم تُمطر الجسد بالدماء والآلام المتعاقبة بطولها و عرضها ،
]سحقٌ ] للعظام ،
n]سقمٌ ] للأجسام ،
n]سلبٌ ] للأحلام ، وعلى الرغم مما احتواه هذا الحرف من الآلام إلا أنه تضمن
] سكون ] الليل البهيم في دقائق يختطفها الأسير من سجّانه للتواصل مع خالقه ، فتكون
n]سلوى ] النفس ، تكتبُ بصمتٍ يسود المكان سيرة العظماء وكبار القادة التي تستكينُ معها كل لحظة عنفٍ و غضب في انسجامٍ رهيب ، تطمئنُ به الروح وتسعدُ به الذات المكبَّلة من كل حركة إلاّ من الروح !.
الراء : وثالثها سكون رائها : n]رغبةُ ] الأبيّ وإرادته تجتمعان لتفكيك قيده ،
n]روحٌ ] لا تفقد الأمل بالله في عزمٍ لا يلين ، و ثقةٌ بالله لا تعرف المستحيل ،
n]رنين ] قيده صرخ مُدوياً في صفقة وفاء الأحرار التي أخرجت ألفاً من الثوّار الأبرار ، أما مصطلحات مثل
e]رأفة و رحمة ] فإنها غير موجودة في قاموس الاحتلال القولية ولا حتّى الفعلية ، ولكننا وجدناها في قلوب أسرانا وتآلف أرواحهم على اختلاف تنظيماتهم وانتماءاتهم الفكرية والثقافية والوطنية.
تجد عندهم
n]رضا ] بقضاء الله و قدره ، حولوا سجونهم إلى
n]روضات ] من الشعر والأدب والشريعة والثقافة ، قطفوا منها أزاهير العلوم والفنون ، حفظوا القرآن في صدورهم ولأن بقاء الحال من المُحال ، فإنه تأتي ساعة
] رحيل ] للأحباب والأصحاب داخل القسم الواحد يتقاسمون جدران زنزانة واحدة يتعاهدون فيها الأخوة في الله ، يشتركون فيها الزاد و الزوّاد ...
[ رُوَّادها ] المجاهدين الأخيار أمثال حسن سلامة وعبد الله البرغوثي وإبراهيم حامد ...
n]رباطها ] حبل الله و رسوله ...
n]رواياتها ] الظلم والدم ،
n]رسوماتها ] باقية على جدران الزمن ..
وهكذا نجد أنّ لهذه الكلمة أسراراً في حروفها جمعت بين الألم والأمل في تناغم عجيب ، ولا تجد أسرارها إلا من خلال المجاهد الفلسطيني الصابر المرابط الذي قهر السجّان بإرادته الحُرّة ، فحوّل المحنة إلى منحة ، وقلب النقمة إلى نعمة ...
ولا أجد بعد هذه التأملات إلا هذا الدعاء المقتبس من ذات الحروف
اللهمَّ إنّي :
ألوذ برحمتك مالي سواك في محنتي ، وكشف كربتي ورفع مسألتي إليك ..
أسْعِد الأسرى بتحريرهم من القيد والأسْرِ
اشفِ مريضهم ، أخرج معزولهم ، أطعم جائعهم ، أذقهم برد عفوك ، وأفض عليهم من رحماتك ، وأعطهم سؤلهم ، وأعظم أجرهم على صبرهم ، أزل عنهم همّهم ، أبعد عنهم أذى عدوّهم ، أرح قلوبهم التي أعياها السهر والضنك ...
سُق إليهم عظيم بركاتك وفواتح خيراتك ، سِرْ بهم إلى جنانك راضين مرضيين ، سدّد خطاهم ، سيّر اللهم آلاف المقاتلين في سبيلك فاتحين منتصرين بإذنك .
سقّم أعداءهم بداءٍ ليس له دواء ، سوِّر أياديهم لظىً وسعيراً ..
روّح اللهم على قلوب أسرانا ، رضّهم بقضائك ، رقق قلوب المسلمين لأجلهم ولنُصرتهم ، رحماك رحماك ربي بهم فإنّي فيك أحبهم ، رحماك بمريضهم وبضعيهم وبصغيرهم وبكبيرهم ، بشبابهم ونسائهم وأطفالهم وشيوخهم ، بجريحهم ، بمعزولهم ...آمين